أسباب السعادة

إن التأمل والتدبر في كتاب الله ، والغوص في بحار معانيه، واستخراج الجواهر والدرر
من كنوز أنواره، من أعظم العبادات ، بل من أكثرها زيادة للإيمان وتثبيتا للجنان ،ولقد جعل الله الغاية العظمى من إنزال كتابه ، تلك العبادة العظيمة وهي التدبر فقال سبحانه: ( كتاب أنزلناه إليك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب) .
وكل الناس يبحثون عن أسباب السعادة ووسائلها، وتختلف تصوراتهم عن السعادة، بحسب ثقافاتهم ومعتقداتهم و ما تربّوا عليه ، ولكن أكثر الناس يغفل عن السعادة الحقيقية التي يستطيعها كل أحد، وليست منحصرة في الأغنياء وأصحاب الأموال والثروات ، بل قد يعيش الفقير أوالمريض أوالمبتلى في سعادة لا تعدلها سعادة ، كما عاشاها الصالحون المستأنسون بالله وطاعته حتى قال أحدهم : إنني أشعر بسعادة لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما أنا فيه لجالدونا عليه بالسيوف ، ومصداق ذلك من كتاب الله سبحانه قوله : (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ).
وفي القرآن إشارة إلى شيء من أسباب السعادة، فليشاركني رواد هذا الملتقى ونخبه من خلال هذه النافذة في استخراج تلك الأسباب والوسائل-(والدعوة عامة )-، بذكر الآية وتفسيرها باختصار والتعليق عليها فإن المتكلم بالقرآن ومنزله سبحانه ، هو خالق البشر والعالم بما يصلحهم ، ويسعدهم في الدنيا والآخرة .

وفي هذه النافذة أود أن أستهل تلك الوسائل، بآية فيها إشارة إلى سبب ووسيلة من وسائل السعادة :
تلكم الآية هي قوله تعالى : ( ياعبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون ) .
وتفسير الآية : أن الله يأمر عباده المؤمنين بالهجرة من الأرض التي لا يستطيع فيها العبد إقامة دينه إلى الأرض التي يقيم فيها دينه، وعلل سبحانه باتساع الأرض وعدم ضيقها، وقد ذكر سبحانه هذا المعنى في آية أخرى فقال سبحانه : ( ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثير وسعة ) يقول سفيان الثوري: إذا كنت بأرض غالية فانتقل إلى غيرها تملا فيها جرابك خبزا بدرهم.
وسبب السعادة الذي يستنبط من هذه الآية ، أن يبحث الإنسان عن سبل سعادته ، وألا يحصر نفسه في دائرة ضيقة ، فالفرص كثيرة غير متناهية،
فمن شقي في أرض فأرض الله واسعة فليبحث عن أرض أخرى يسعد فيها ويحس فيها بقيمته ،
ومن طرق بابا فلم يفتح أمامه فليطرق الأبواب الأخرى حتى يحصل على مراده ،
ومن سلك طريقا فتعثر فيه وأحس بعدم نجاحه فيه فليبحث عن طريق أخرى ،
ومن صاحب قوما فشقي معهم فليبحث عن غيرهم ،
ومن درس علما أو تخصصا فلم يحس فيه بالإبداع والرغبة فليبحث عن غيره ، ومن طلب رزقا في مكان فلم يوفق فيه فليطرق مكانا وبابا آخر ، وهكذا.
والمراد ألا يضيق الإنسان على نفسه ويحصر سعادة في أمر لم يتيسر له ، بل يبحث ويحاول حتى يجد ما يسعده .
والقصص على ذلك كثيرة ،
فكم من أناس لم يوفقوا في طلب علم معين، فسلكوا علما آخر حتى أبدعوا وصاروا أئمة ، حكى ابنُ جِنِّي، في "الخصائص" عن الخليل الفراهيدي: أنَّ الأصمعيَّ كان أراده على أن يعلِّمَهُ العَرُوض، فتَعَذَّر ذلكَ على الأصمعي وبعُدَ عنه، فيَئِسَ الخليل منه، فقال له يومًا: يا أبا سعيد، كيف تُقَطّع قول الشاعر:

إِذَا لَمْ تَسْتَطِعْ شَيْئًا فَدَعْهُ وَجَاوِزْهُ إِلَى مَا تَسْتَطِيعُ

قال: فعلمَ الأصمعي أنَّ الخليل قد تَأَذَّى بِبُعدِه عن علم العَرُوض، فلم يعاودْه فيه.
وإذا لم يستطع الزوجان أن يعيشا مع بعضهما وحاولا كل السبل فلم تفد ، فافتراقهما هو الحل، وسوف يجد كل منهما ما يسعده ، قال الله تعالى : (وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وكان الله واسعا عليما ) .

يقول سيد قطب رحمه الله : (ومن يهاجر هذه الهجرة - في سبيل الله - يجد في الأرض فسحة ومنطلقاً فلا تضيق به الأرض ، ولا يعدم الحيلة والوسيلة ،للنجاة وللرزق والحياة :{ ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغماً كثيراً وسعة } ، وإنما هو ضعف النفس وحرصها وشحها؛ يخيل إليها أن وسائل الحياة والرزق ، مرهونة بأرض ، ومقيدة بظروف ، ومرتبطة بملابسات لو فارقتها لم تجد للحياة سبيلاً .
وهذا التصور الكاذب لحقيقة أسباب الرزق وأسباب الحياة والنجاة؛ هو الذي يجعل النفوس تقبل الذل والضيم ، وتسكت على الفتنة في الدين؛ ثم تتعرض لذلك المصير البائس، مصير الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم ، والله يقرر الحقيقة الموعودة لمن يهاجر في سبيل الله إنه سيجد في أرض الله منطلقاً وسيجد فيها سعة ، وسيجد الله في كل مكان يذهب إليه ، يحييه ويرزقه وينجيه) .

ان شاء الله سنكون سعداء

» السعادة الحقيقية
» ما هي أسباب ألم الكتف
» تريد السعادة ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
» أسباب نسيان الاحلام
» وهل ياترى للحب أسباب.........؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟