سألت قلمي عن سبب هذه الحروف والكلمات التي أخطها لكم الآن ..
فكان جوابه " أشعر
بالحزن ، وقد نزفت دموعي بسبب هذا الحزن الجارح ، كلما ذهبت إلى موضوع
إبداعي ساحر بجماله وعوالم ساحته الراقية أجد أن أصحابه يكرهون الرومانسية
فما السبب في ذلك يا مشاري ؟ "
بالفعل ، وجدت هذه الكلمة منتشرة بشكل كبير في أرجاء قلعتنا القصصية ، الكره البالغ لمفهوم أعتبره من أجمل مفاهيم الفن القصصي ، وهو الرومانسية ، فوجدت قلمي يكتب حول هذه القضية من دون حتى أن أدرك ذلك ..
ما رأيكم أن نأخذ جولة ممتعة في عالم الرومانسية نفهم مفاهيمه وأساليبه لنزيل قيود العار والكره من سطحه الشفاف ..؟؟
في عالم الأدب الواسع ظهرت مذاهب متعددة ، جعلت من نفسها سيدة عصرها ،
فأصبح أي عمل أدبي يجب أن يندرج تحت تلك المذاهب ، وقد نشأت تلك المذاهب
في أوربا ثم انتقلت إلى جميع دول العالم وتسللت الى الأدب العربي منذ عصر
النهضة حتى عصرنا هذا .
والمذهب الأدبي هو : اتجاه في التعبير الأدبي يتميز بسمات خاصة ويتجلى فيه مظهر واضح من التطور الفكري .
كما يظهر المذهب الأدبي في عصر معين كثمرة لظروف ومقتضيات خاصة فيطغى على
غيره من المذاهب ويظل سائداً حتى إذا فترت دواعيه رأيناه يتخلى تدريجيا عن
سيطرته أمام مذهب أدبي جديد تهيأت له أسباب الوجود , هذا لا يعني ان اختفى
هذا المذهب القديم قد اختفى كلياً عن عالم الأدب .
والمذاهب الأدبية على اختلاف ألوانها هي تعبيرات أدبية متميزة تقوم على
دعائم من العقل والعاطفة والخيال , وقد يتاح لإحدى هذه الدعائم في عصر من
العصور غلبة وسلطان , فإذا هي مذهب أدبي سائد يستعلي على غيره من مذاهب
التعبير , وعلى هذا تتعاقب المذاهب الأدبية بتعاقب العصور , ويأخذ اللاحق
ما ترك السابق مع النقص منه أو الزيادة عليه تبعا لأوضاع المجتمع في عصره .
وقد ظهرت كثيرا من المذاهب ولكن لم ينتشر إلا أربعة مذاهب وهي على الترتيب :
1- المذهب الكلاسيكي
2- المذهب الرومانسي
3- المذهب الواقعي
4- المذهب الرمزي
وسيكون تركيزنا وأهمية نظرتنا حول بدايات المذهب الرومانسي :
بدأت الرومانسية في فرنسا عندما قدّم باحث فرنسي عام 1776م ترجمة لمسرحيات شكسبير إلى الفرنسية، واستخدم الرومانسية كمصطلح في النقد الأدبي.
و اشتق مصطلح الرومانسية من كلمة رومان , وكانت تعني في العصور الوسطى حكاية المغامرات شعرا
ونثرا وقد دخلت هذه الكلمة إلى اللغة الانجليزية بهذه الدلالة ثم أصبحت
مصطلح يدل على مجموعة هذه الصفات ثم أصبحت تتصف بها بعض الأعمال الأدبية
كالعاطفة الشديدة والغرابة ثم أصبحت اسما لهذا المذهب الأدبي الذي يضم هذه
الصفات وصفات أخرى .
خلال سيطرة الكلاسيكية على الأدب
ونتيجة لتشددها في تطبيق قواعدها المقررة ظهرت في أنحاء متفرقة من أوربا
دعوات إلى التحرر منها والتفلت من قيودها العقلية الصارمة مثل الدعوة إلى
العقلية المتشددة وظهرت أعمال أدبية لاتنضبط بقواعدها وفي أواخر القرن
الثاني عشر الميلادي كثرت الانتقادات الموجهة إليها وتهيأت عوامل أخرى
تشجع الاتجاه المناقض لها وأهمها عاملان :
1- ظهور تيار فلسفي يدعوا إلى الانطلاق بالفكر والتحلل من جميع الضوابط
والمفهومات كالتقارير الاجتماعية والقواعد الدينية مع نقد الأسس الفلسفية
والاجتماعية التي تقوم عليها الكلاسيكية ويقوم على هذا التيار فلاسفة منتشرون في أوربا وأهمهما جان جاك روسو وهيجل و شاهتور و داليان
2- اضطراب الظروف الاجتماعية والسياسية وما خلفه هذا الاضطراب من أثر ما
شهدته أوربا في هذا القرن أي الثاني عشر من أحداث كثيرة أهمها الثورة
الفرنسية والحروب الطاحنة بين الدول الأوربية والصراع على المستعمرات
وحروب نابليون بونا برت ونتيجة عن هذه الحروب من اضطرابات فكرية زادت من
حدتها موجات الإلحاد المتزايدة وقد ترك ذلك في نفوس الأوربيين قلقا شديدا
وشعورا بالمرارة وخيبة الأمل وانتشر بينهم ما
يسمى اصطلاحا مرض العصر وهو إحساس حاد بالكآبة وضيق شديد من الواقع المعاش
وبحث عن مخرج منه , وقد تفاوتت آثارها في هذه الشعوب واختلفت كذلك في
أدبهم وظهرت رومانسيات مختلفة ولكنها تجتمع على عدد من الخصائص المشتركة تجعل من الممكن إن نظر إلى رومانسية غربية موحدة .
مبادئ الرومانسية : _
1- رفض المبادئ الكلاسيكية للأدب ومخالفتها على وجه العموم ويتمثل ذلك في التالي :
• رفض تفوق الأدبين اليوناني والروماني أو اعتبارهم النموذج الأعلى للأدب
والدعوة إلى الاهتمام بالآداب القومية واستحياء التراث المحلي
• رفض الانضباط والتقيد بالقواعد الكلاسيكية أو المقررة كقاعدة الوحدات الثلاث ومنع الفعل العنيف في المسرح وقاعدة فصل الأجناس الأدبية
• رفض النزعة العقلية وما يترتب عليها
• رفض الأسلوب الكلاسيكي المتأنق والدعوة إلى الأسلوب السهل المرسل
• رفض ارتباط الأدب بالمبدأ الأخلاقي
2- ربط الأدب بالعاطفة والوجدان وإعلان المشاعر الذاتية والذوق الفردي وإرجاع مصدر الجمال إلى الذوق وليس إلى العقل كما هو عند الكلاسيكيون.
3- تعظيم شان الخيال وإطلاق حريته في ارتياد الأفاق التي يريدها .
4- الهروب من الواقع ومشكلاته السياسية والاجتماعية
5- الافتتان بالطبيعة والعوالم الغريبة والأحلام
6- التعلق بالحزن والتلذذ بالألم واعتباره فلسفة تطهر النفس وتنشر الإحساس بالكآبة أو مكان يطلقون عليه مرض العصر .
7- التعلق بمعتقد تأليهي غامض يجعل محور التدين الأساسي هو العاطفة والقلب
الطيب ويقلل من أهمية الإثم الفردي ويخفف المسؤولية الفردية ويحملها
المجتمع وقد كثرت لهذا في أدبه صور اللص الشريف والمجرم الطيب .
كان ما سبق نبذة مختصرة عن تاريخ الرومانسية
وظهوره الأول في مجال الأدب ، لم يذكر التاريخ أي علاقات محرمة بين رجل
وامرأة ولا صفة تدل على عار هذا المذهب ، بل على العكس ، لاحظنا وجود عنصر
الرقة والجمال والحرية في مفاهيمها ، فالحب صفة مفطورة في قلوب بني البشر
فهي من تجعلنا نشعر بالدفء والرغبة بالابتسام أو البكاء ، فكلنا يحب أهله
، أقاربه ، أصدقائه لا عار في إظهار هذا الحب كما لا عار في وصفه في سطور
قصة ..
الرُومانسية اتجاه في الفنون الجميلة والأدب، يركِّز على العاطفة أكثر من العقل، وعلى الخيال والبديهة أكثر من المنطق. ويميل الرومانسيُّون إلى حرية التعبير عن المشاعر، والتصرُّف الحر التلقائي، أكثر من التحفظ والترتيب ، هل هنالك عيب في ذلك ؟